ضباب يحيط التكليف: بين اعادة الحريري واستبعاده انقسامات محلية واقليمية
Read this story in Englishبدا واضحا، غداة اسقاط الحكومة باستقالة 11 وزيرا منها، أن قوى 8 آذار وداعميها الاقليميين انتقلوا فورا الى المرحلة الثانية من المعركة السياسية المفتوحة، ففتحت المواجهة المبكرة على التكليف، وبين اعادة تكليف الرئيس سعد الحريري واستبعاده، يحيط ضباب كثيف بعملية توزيع القوى والاصوات الحاسمة والمرجحة، في ظل ممانعة صريحة من "حزب الله".
وفي اللاطار، نقل عدد من الشخصيات المنتمية الى المعارضة عن كبار المسؤولين السوريين ان دمشق تفضل استبعاد الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة، وأنها تنصح باختيار رئيس حيادي شرط ان يحظى بعدم ممانعة المملكة العربية السعودية و "تيار المستقبل" وذلك في إشارة مباشرة الى ان هذه المواصفات تنطبق على الرئيس نجيب ميقاتي.
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة "الحياة" نقلاً عن مصادر لبنانية مقربة من دمشق أن الترويج لاستبعاد الحريري من رئاسة الحكومة يهدف اولاً الى التلويح بوجود نية بفرض أمر واقع سياسي جديد من شأنه ان يدفع باتجاه تكثيف الاتصالات العربية - الدولية بالقيادة السورية من اجل معاودة المفاوضات وإنما على نار حامية هذه المرة.
واعتبرت المصادر نفسها ان تلويح دمشق لبعض حلفائها باستبعاد الحريري من رئاسة الحكومة، يعني ان الاتصالات بين الرياض ودمشق انقطعت خلافاً لرأي فريق اساسي في المعارضة يجزم فيه بأنها بردت لبعض الوقت لكنها لم تتوقف نهائياً "وبالتالي من غير الجائز لأحد ان يتجاهل الدور السعودي في لبنان".
ولفتت الى ان جميع الأطراف انصرفوا منذ استقالة الحكومة الى مراجعة حساباتهم ودراسة الموقف الذي سيتخذونه من الحكومة الجديدة أكان تكليفاً أم تأليفاً، إضافة الى العناوين الرئيسة لبيانها الوزاري.
وقالت ان البحث الجدي بين أطراف المعارضة لم يبدأ حتى الساعة وأن الأفضلية من جانبها في الوقت الحاضر تكمن في مواكبة ردود الفعل العربية والدولية والإقليمية المترتبة على خطوة المعارضة في استقالتها من الحكومة وفي رصد تداعياتها السياسية، على رغم ان دمشق تعهدت بالحفاظ على الاستقرار العام والطلب من حلفائها التزام التهدئة.
وسألت المصادر عن رد فعل الحريري على استقالة الحكومة وموقف "قوى 14 آذار" من التكليف باعتبار ان أحداً لا يستطيع ان يقفز فوق الحجم السياسي لرئيس حكومة تصريف الأعمال وزعامته للطائفة السنية ورئاسته لأكبر كتلة نيابية وامتداداته في الساحة المحلية وعلاقاته العربية والدولية.
وقالت ان من السابق لأوانه تحديد اي موقف من المرحلة المقبلة ما لم يعرف موقف الحريري على حقيقته، وما اذا كان في وارد العودة إلى سدة الرئاسة الثالثة أو أنه عازف عن ذلك.
وأكدت المصادر في المعارضة ان المشهد السياسي للمرحلة المقبلة لن يكتمل قبل جلاء الحقيقة على جبهة الاتصالات الخارجية وما يتخللها من مداخلات وضغوط ونصائح بعدم الهروب الى الأمام واعتماد الواقعية في اعادة تركيب الحكومة الجديدة "هذا إذا لم تدخل الأزمة في إجازة طويلة جداً جداً".
وأوضحت أنها تقيم وزناً سياسياً لموقف رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط من الحكومة وهو لا يزال يتريث في تحديد وجهة نظره لأنه يراهن على عودة الحرارة ولو في اللحظة الأخيرة الى الاتصالات السعودية - السورية على رغم ان حسمه لخياره باتجاه سورية لا يعفيه من الإحراج في حال انه جيء بحكومة يغلب عليها طابع التحدي، ذلك لأنه لا يريد ان يهدد علاقته بالحريري والسعودية.
ولفتت صحيفة "الاخبار" الى ان "المتفائلين من سياسي الاكثرية يجزمون بأن قوى المعارضة السابقة لن تكون قادرة على تأليف حكومة منفردة. ويجزم أصحاب هذا الرأي بأن جنبلاط لن يجازف بعلاقته مع السعودية والحريري في مقابل أمر غير مضمون. أما رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، فهما، بحسب الأكثريين السابقين، ليسا في وارد معاداة بيئتهما الجغرافية والمذهبية".
لكن "الأخبار" تشير الى وجود "من هو أكثر واقعية من زملائه في قوى 14 آذار"، لافتة الى ان بعض "ثوار الأرز" يقول إن النائب وليد جنبلاط "غير مضمون، لكنه ليس قادراً على منح قوى المعارضة أصوات كتلته كلها، فالمحسوم أن النائب مروان حمادة سيكون إلى جانبنا، وكذلك النائبان هنري حلو، وفؤاد السعد، ونعمة طعمة المرتبطة مصالحه المالية عضوياً بالسعودية. والبحث اليوم يتمحور حول موقف علاء الدين ترو وإيلي عون وأنطوان سعد".
في الخلاصة، تقول "الأخبار"، "يشعر مؤيدو الحريري بالضغط إلى درجة التحسر على خسارتهم للنائب نقولا فتوش"، لافتة الى ان "هذا الشعور، أنتجته المعلومات المتداولة عن قرار لدى فريق المعارضة السابقة، يقضي بعدم السماح لسعد الحريري بالعودة إلى السرايا الحكومية".
ونقلت الصحيفة عن مصادر الفريق المعارض قولها: "عندما قرّر الحريري إنهاء المفاوضات ورفض التسوية، كان يعلن مواجهة معنا. وعلى هذا الأساس، نفّذت المعارضة البند الأول من خطة المواجهة". وبحسب ما تقنل الصحيفة عن مسؤول رفيع في قوى 8 آذار، فإن الفريق الذي أفشل التسوية في الولايات المتحدة والسعودية، كان يرى في إسقاط الحكومة خطاً أحمر، وهو فوجئ بسرعة تحرك المعارضة، وبالنتيجة المضمونة لهذا التحرك.
ماذا بعد؟ يجيب مسؤول في أحد أطراف المعارضة السابقة لـ"الأخبار" بالقول إن "القرار نهائي ولا عودة عنه: لن نرشح لرئاسة الحكومة إلا من يتعهد باتخاذ خطوات تؤدي عملياً إلى تحقيق ما كان مأمولاً من التسوية التي أجهضت في نيويورك".
وقالت "الأخبار" ان "الثقة بين هذا الفريق ورئيس الحكومة المقالة تلامس حدود الصفر"، لكنها تنقل عن مسؤول بارز في المعارضة السابقة قوله "لكن ذلك لا يقفل الباب نهائياً أمام عودته إلى السرايا، إذ إن بإمكانه ترؤس حكومة تدوم حتى عام 2013، فيما لو تعهد بإسقاط مشروع المحكمة الدولية".
واكد مصدر معارض للصحيفة أن فريقه السياسي لم يحسم بعد اسم الشخصية السنية التي ستسمّيها خلال الاستشارات التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال سليمان ابتداءً من يوم الاثنين المقبل، بعدما أصدر أمس مرسوماً بإقالة الحكومة وتكليفها تصريف الأعمال. لكن المرشحين كثر. "والرأي سيستقر على شخصية تملك الحد الأدنى من الحيثية الشعبية، كميقاتي ورئيس الحكومة السابق عمر كرامي والوزير السابق عبد الرحيم مراد والنائب السابق أسامة سعد". وإضافة إلى هؤلاء، ثمة شخصيات يجري تداول أسمائها بوصفها مرشحة لمنصب الرئاسة الثالثة، كالوزير السابق عدنان عضوم، من دون التأكد مما إذا كان طرح اسمه جدياً، أو في سبيل الضغط على الطرف الآخر لا غير.
ونقلت الصحيفة عن بعض المصادر قولها إن خصوم الحريري ما كانوا ليلجأوا إلى إسقاط حكومته، لو لم يكونوا متيقّنين من قدرتهم على تأليف حكومة من لون سياسي واحد، ومن دون أي تنسيق مع فريق آل الحريري، مشيرة الى ان "بعض واقعيي فريق الثامن من آذار يحملون القلم والورقة لإثبات هذه النظرية، فيحتسبون أصوات النواب، قبل أن يؤكدوا أن النائب وليد جنبلاط سيحسم أمره إلى جانب قوى المعارضة السابقة وسوريا".
وبرأي هؤلاء، فإن لقاء جنبلاط مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم أمس، ولقاءه المرتقب يوم غد السبت مع الرئيس السوري بشار الأسد، سيحسمان موقفه نهائياً، وخاصة أن موقف الرئيس الأسد من المحكمة الدولية محكوم بعدّه إياها شبيهة باتفاق 17 أيار، مع ما يعنيه ذلك من لزوم إسقاطها بوصفها أداة عدائية في وجه سوريا والمقاومة في لبنان.