حقوق الإنسان في الصحراء حلقة جديدة في النزاع بين الرباط والجزائر

Read this story in English W460

يشكل الخلاف الدبلوماسي بين الرباط والجزائر بشأن مسألة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، المستعمرة الاسبانية السابقة الخاضعة لإدارة المغرب، حلقة جديدة من خلاف مستمر بين "بلدين شقيقين" منخرطين في صراع نفوذ داخل المغرب العربي وخارجه.

ولم يفوت العاهل المغربي ليلة الأربعاء، بمناسبة الاحتفال بالذكرى 38 للمسيرة الخضراء التي يعتبرها المغاربة "استرجاعا للصحراء"، فرصة الرد على التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

وقال الملك في خطابه الذي نقله التلفزيون الرسمي ان "المغرب يرفض أن يتلقى الدروس في هذا المجال (حقوق الإنسان)، خاصة من طرف من ينتهكون حقوق الإنسان بطريقة ممنهجة" في إشارة واضحة الى الجارة الجزائر.

واعتبر العاهل المغربي ان "من يريد المزايدة على المغرب، فعليه أن يهبط الى تندوف (جنوب غرب الجزائر)، ويتابع ما تشهده عدد من المناطق المجاورة، من خروقات لابسط حقوق الإنسان".

بل ان ملك المغرب وجه اتهاما صريحا للجزائر قال فيه انها تقدم "أموال ومنافع، في محاولة لشراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا، وذلك في إهدار لثروات وخيرات شعب شقيق، لا تعنيه هذه المسألة، بل إنها تقف عائقا أمام الاندماج المغاربي".

وتعود حدة كلام ملك المغرب في خطابه الأخير، الى رسالة للرئيس الجزائري قرأه نيابة عنه وزير العدل الطيب لوح في 28 تشرين الاول الماضي في مؤتمر دعم الشعب الصحراوي في أبوجا النيجيرية.

واكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في هذه الرسالة ان "الجزائر لا تزال على قناعة بأن توسيع صلاحيات بعثة المينورسو (بعثة الامم المتحدة في الصحراء الغربية) لتشمل تكفل الأمم المتحدة بمراقبة حقوق الانسان في الصحراء الغربية يعتبر ضرورة ملحة".

وعلى الرغم من أن الجزائر معروفة تقليديا بدعمها جبهة (تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) البوليساريو الانفصالية في سعيها لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، الا ان المغرب اعتبر كلام الرئيس الجزائري هجوما مباشرا على المملكة حيث تعتبر الصحراء المنطقة الشاسعة التي يسكنها نحو نصف مليون نسمة "قضية مقدسة".

وبعد الاستدعاء المؤقت لسفيره في الجزائر، وتنظيم مواطنين مغاربة لاعتصامات أمام الممثليات الدبلوماسية الجزائرية، حافظ الملك محمد السادس على الحدة والتشدد نفسها تجاه كلام الجزائر، دون ان يغفل الإشارة الى الحليف الأميركي، بعيد أيام قليلة على زيارة وزيرة الخارجية جون كيري.

وقال الملك في هذا الشأن "إن ما يبعث على الأسف أن بعض الدول تتبنى أحيانا نفس المنطق في تجاهل مفضوح لما حققته بلادنا من منجزات خاصة في مجال الحقوق والحريات".

واعتبر الملك ان "هذا الخلط والغموض في المواقف يجعل طرح السؤال مشروعا. هل هناك أزمة ثقة بين المغرب وبعض مراكز القرار لدى شركائه الاستراتيجيين بخصوص قضية حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية؟" أي الصحراء الغربية.

وعقد المغرب والولايات المتحدة خلال 2012 جولة اولى من "حوار استراتيجي" بين البلدين. وتعتبر الرباط واشنطن شريكها الاستراتيجي.

وينتظر ان يترأس كيري رفقة نظيره المغربي في الرباط الجولة الثانية من هذدا الحوار.

وتتهم الرباط واشنطن بشكل غير معلن رسميا، بإعطاء مصداقية لخصوم المملكة من خلال صياغتها الربيع الماضي مشروع قرار في الامم المتحدة يسمح بتوسيع مهام بعثة الأمم المتحدة من أجل إجراء الاستفتاء في الصحراء (مينورسو) لتشتمل مراقبة حقوق الإنسان.

وأثار هذا المقترح حينها غضب الرباط بشكل لم تتوقعه واشنطن. وألغى المغرب تدريبات عسكرية مشتركة بين جيشي البلدين لما يسمى بالأسد الأفريقي في المغرب، ما جعل واشنطن "تتراجع" أو تؤجل مشروع القرار الى حين.

لكن، حسب مصادر دبلوماسية، فإن التقرير الصادر مؤخرا عن الخارجية الأميركية، أحصى عددا من انتهاكات حرية التجمع والتعبير في الصحراء، ما جدد مخاوف الرباط من إمكانية إعادة طرح مشروع قرار واشنطن للتصويت في الأمم المتحدة في نيسان القادم، مع موعد إعادة النظر في تمديد مهمة البعثة الأممية الى الصحراء.

وحسب المصادر نفسها فإن المغرب الذي يقترح مشروعا للحكم الذاتي الموسع تحت سيادته، يعتقد أنه خسر حليفا أساسيا مع رحيل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة.

وعلى نطاق أوسع يمكن تفسير تجدد التوتر بين الجزائر والمغرب على ضوء الصراع الذي تقوده العاصمتان لبسط نفوذهما منطقة المغرب العربي وفي افريقيا بالأساس.

فالمغرب الذي غادر منذ فترة طويلة أجهزة الإتحاد الأفريقي بسبب اعتراف هذا الأخير بعضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية ممثلة بالبوليساريو، يقود منذ مدة حملة دبلوماسية في القارة السمراء حيث قام الملك محمد السادس بعدة زيارات.

فلأول مرة حضر محمد السادس في أيلول الماضي في العاصمة المالية باماكو، حفل تنصيب الرئيس الجديد لمالي، إبراهيم ابو بكر كيتا، الذي خصص استقبالا خاصا للملك المغربي.

كما ان الرباط ستستضيف في 14 تشرين الثاني، مؤتمرا إقليميا حول "أمن الحدود بين بلدان منطقة الساحل والمغرب العربي"، لم تتأكد بعد مشاركة وفد جزائري فيه حسب مصادر دبلوماسية.

ويعتبر الخبراء أن الحدود مغلقة رسميا بين البلدين منذ 1994 تشكل عائقا أساسيا أمام التكامل المغاربي (اتحاد المغرب العربي).

ويقدر هؤلاء الخبراء الكلفة الاقتصادية لإغلاق هذه الحدود بنقاط مهمة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدين، دون الحديث عن التكلفة الأمنية المتعلقة بمحاربة الهجرة وشبكات تهريب البشر والمخدرات، بسبب غياب التعاون المباشر بين العاصمتين.

وتجد الاسرة الدولية نفسها عاجزة عن تحقيق تقارب أو مصالحة بين الطرفين، رغم تحذيرها من اتساع نفوذ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بسبب غياب التنسيق الأمني واستمرار مشكل الصحراء الغربية.

ورغم أن بيير موسكوفيسي وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي أكد لفرانس برس الأسبوع الماضي "التزام باريس بالتكامل الإقليمي، وإيمانها بفائدة التعاون الثنائي القوي بين الجزائر و المغرب"، إلا أنه أوضح ان تحسن العلاقات بين الطرفين "يعود بالدرجة الأولى للبلدين بطريقة سيادية" عبر قائديهما.

التعليقات 0